كارثة برادوك: الجحيم الأمريكي الذي شكل جورج واشنطن



تخيّل أوروبا مصغّرة، غابات برية وأنهار متدفقة، حيث تتصارع إمبراطوريتان عظيمتان على هيمنة قارة مجهولة. في عام ١٧٥٥، كانت أمريكا الشمالية مسرحًا لواحدة من أحلك الصفحات، وفي الوقت نفسه، صفحات التكوين في التاريخ الأمريكي: رحلة برادوك . حدثٌ دراميٌّ للغاية، شكّل جورج واشنطن، الشاب الطموح والمجهول آنذاك، محوّلًا إياه من عقيدٍ عديم الخبرة إلى شخصيةٍ أسطورية.

كانت المخاطر كبيرة للغاية: السيطرة على وادي أوهايو، منطقة غنية بالموارد وذات أهمية استراتيجية. من جهة، كان الفرنسيون، المحصنون بتحصيناتهم وتحالفوا مع القبائل الأصلية، في حين كان الإنجليز، العازمين على توسيع أراضيهم، يرسلون قوة ضخمة بقيادة الجنرال إدوارد برادوك.

برادوك، وهو محارب بريطاني مخضرم، جاء إلى أمريكا بسمعةٍ قوية، لكنه لم يكن يعرف سوى القليل عن أساليب حرب العصابات الماكرة التي اتسم بها القتال في العالم الجديد. كانت عقليته راسخة في الاستراتيجيات الأوروبية: جيش منظم، يسير على طرقٍ مُعدّة خصيصًا، تدقّ الطبول وترفرف الرايات. لكن غابات بنسلفانيا الكثيفة لم تكن ساحات معارك للفلمنكيين.

ثم دخل جورج واشنطن. كان واشنطن عقيدًا شابًا في ميليشيا فرجينيا، وكان خبيرًا بالتضاريس، والأهم من ذلك، أنه اختبر بالفعل ضراوة الكمائن الهندية الشرسة. حاول تحذير برادوك، مقترحًا استراتيجيات أكثر مرونة وأقل بريقًا، لكن الجنرال البريطاني كان غافلًا عن واقع التضاريس، ومحتقرًا "نصائح" عقيد استعماري. بالنسبة لبرادوك، كانت تكتيكات حرب العصابات "وحشية" ولا تليق بجيش نظامي. خطأ فادح.

سرعان ما تحولت الحملة إلى مسيرة نحو الكارثة. تقدم آلاف الجنود البريطانيين والمستعمرين ببطء عبر الغابة، مصحوبين بقافلة طويلة من المدافع والعربات. في 9 يوليو 1755، على بُعد أميال قليلة من حصن دوكين (بيتسبرغ حاليًا)، وقعت مأساة. وقعت قوات برادوك في كمين مدمر نصبه تحالف من الفرنسيين والأمريكيين الأصليين.

أعقب ذلك فوضى عارمة. وجد الجنود البريطانيون، المعتادون على التشكيلات الخطية، أنفسهم أهدافًا مثالية لبنادق العدو، مختبئين بين الأشجار ومحميين بالنباتات الكثيفة. انتشر الذعر بسرعة. تحولت ساحة المعركة إلى جحيم من الصراخ والرصاص والمجازر. أصيب الجنرال برادوك نفسه، رغم شجاعته، بجروح قاتلة.

في خضم هذا الجحيم، تميّز واشنطن الشاب برباطة جأشه وقيادته. ركب بين صفوف الجنود، محاولًا يائسًا إعادة تنظيم الناجين، وتحدى الموت بطريقة شبه معجزة: قُتِل حصانان تحته، واخترقت أربع رصاصات معطفه، لكنه نجا سالمًا. كان واشنطن هو من نظّم انسحاب الناجين القلائل، منقذًا الجيش من الفناء التام.

كانت حملة برادوك هزيمةً مُذلة للإمبراطورية البريطانية، لكنها كانت بمثابة لحظة إلهام لجورج واشنطن. كانت بمثابة "مدرسة الحرب" التي غرس فيها روح التحدي، والتي علّمته دروسًا قاسية في القيادة والمرونة والقدرة على التكيف. هذه التجربة، على مأساويتها، هيّأته للمعارك الأوسع نطاقًا التي ستجعله بطلًا في حرب الاستقلال الأمريكية، مُشكّلًا بذلك الجنرال الذي سيصبح يومًا ما أول رئيس للولايات المتحدة.

استمتع بالاستماع


برقية
بفضل قناتنا على Telegram يمكنك البقاء على اطلاع دائم بنشر المقالات الجديدة في Scenari Economici.

⇒ سجل الآن


العقول

المقال "كارثة برادوك: الجحيم الأمريكي الذي صنع جورج واشنطن" مأخوذ من موقع Scenari Economici .


تم نشر المشاركة على مدونة Scenari Economici على https://scenarieconomici.it/il-disastro-braddock-linferno-americano-che-forgio-george-washingtonil-disastro-braddock-linferno-americano-che-forgio-george-washington/ في Tue, 01 Jul 2025 21:42:37 +0000.