في عصر أصبحت فيه الأهداف العسكرية مخفية بشكل متزايد في أعماق الأرض، أصبح تطوير ونشر الأسلحة الخارقة للتحصينات أمراً محورياً في استراتيجيات الأمن العالمية.
استُخدمت قنبلة GBU-57/A لأول مرة في قتال ضد منشآت نووية إيرانية عام 2025، ولكن للأسف، لا يزال من غير المؤكد تدمير الإمكانات النووية الإيرانية بالكامل. ومع ذلك، تُعدّ هذه القنبلة أفضل ما قدّمه الغرب، دون اللجوء، بالطبع، إلى امتلاك أسلحة نووية.
GBU-57/A: القنبلة الأمريكية الخارقة للتحصينات
تعد القنبلة GBU-57/A MOP، التي طورتها شركة بوينج لصالح القوات الجوية الأمريكية، أكبر قنبلة تقليدية في ترسانة الولايات المتحدة، إذ يبلغ وزنها 30 ألف رطل (13600 كجم) وتحمل رأسًا حربيًا يزن 5300 رطل (2400 كجم).
تم تصميم القنبلة MOP لتدمير الأهداف المدفونة على عمق كبير والمحصنة، مثل المنشآت النووية والمخابئ القيادية، ويمكنها اختراق ما يصل إلى 60 مترًا (200 قدم) من المواد الصلبة بشكل معتدل، مثل الخرسانة التي يبلغ وزنها 5000 رطل لكل بوصة مربعة، أو 130 قدمًا من الصخور قبل الانفجار.
يتم ضمان دقتها من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ونظام الملاحة بالقصور الذاتي (INS)، بالإضافة إلى فتيل ذكي يُحسّن عمق التفجير لتحقيق أقصى قدر من التدمير. يُستخدم نظام MOP حصريًا في قاذفة الشبح B-2 Spirit، حيث تستطيع كل قاذفة حمل قنبلتين.
أول عملية قتالية: عملية Midnight Hammer (22 يونيو 2025)
كان أول استخدام لقنابل MOP خلال عملية "مطرقة منتصف الليل" في 22 يونيو/حزيران 2025، والتي استهدفت منشأتي فوردو ونطنز النوويتين الإيرانيتين. أسقطت سبع قاذفات من طراز B-2 14 قنبلة MOP، 12 منها على فوردو، وهي منشأة لتخصيب اليورانيوم مدفونة على عمق 80-90 مترًا تحت جبل، واثنان على قسم تحت الأرض من نطنز، يقع على عمق حوالي 20 مترًا تحت سطح الأرض.
وتم استكمال الضربات بإطلاق 30 صاروخ كروز من طراز توماهوك من غواصة تابعة للبحرية الأمريكية، والتي استهدفت البنية التحتية السطحية في أصفهان.
وكانت العملية تهدف إلى المساس بالبرنامج النووي الإيراني، وخاصة برنامج فوردو، الذي تم تصميمه لمقاومة الهجمات التقليدية.
وقال مسؤولون أميركيون، بمن فيهم الجنرال دان كين، إن الأضرار كانت واسعة النطاق، في حين وصف المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي التدمير "الكبير للغاية" للبنية التحتية تحت الأرض في فوردو.
ومع ذلك، هناك تقارير متضاربة بشأن حجم الأضرار.
التداعيات والقيود الاستراتيجية
لقد أبرز استخدام قنابل MOP ضد إيران دورها كرادعٍ للخصوم ذوي المنشآت المدفونة في الأعماق، مثل كوريا الشمالية والصين. ومع ذلك، فإنّ محدوديتها كبيرة. فعمق اختراق قنابل MOP محدود بتركيبة الهدف.
ويؤدي الاعتماد على قاذفات بي-2 أيضاً إلى كشف نقاط الضعف في أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، في حين يثير خطر إطلاق المواد النووية من المنشآت المتضررة مخاوف بيئية وجيوسياسية.
حل الهند: قنبلة خارقة للتحصينات تعتمد على الصواريخ
تُطوّر منظمة البحث والتطوير الدفاعي الهندية صاروخًا خارقًا للتحصينات، مُستندًا إلى سلسلة صواريخ أجني أرض-أرض . بخلاف صاروخ أجني-5 القادر على حمل رؤوس نووية، والذي يتجاوز مداه 5000 كيلومتر، يُعطي هذا الطراز الأولوية للحمولة على المدى، إذ يحمل رأسًا حربيًا يزن 7500 كيلوغرام (7.5 طن) بمدى مُخفّض يبلغ حوالي 2500 كيلومتر.
ويعوض هذا المشروع عن النقص في قاذفة استراتيجية هندية، مثل B-2، من خلال توفير حل صاروخي فعال من حيث التكلفة.
يُقال إن الصاروخ يصل إلى سرعات تفوق سرعة الصوت (8-20 ماخ)، مما يجعله فعالاً للغاية في التهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستي. مزود بأنظمة توجيه متطورة، ويحقق دقة استثنائية.
ويبلغ وزن رأسه الحربي 7500 كيلوغرام، وهو أكبر بكثير من الحمولة البالغة 2400 كيلوغرام لقنبلة GBU-57، ويوفر قوة تدميرية أكبر محتملة، على الرغم من أن عمق الاختراق يختلف اعتمادًا على تصميم الرأس الحربي والمادة المستهدفة.
يستطيع الرأس الحربي اختراق 80-100 متر من الخرسانة المسلحة أو التربة، مستهدفًا هياكل تحت الأرض محصنة، مثل مراكز القيادة، وصوامع الصواريخ، ومنشآت تخزين المواد النووية. نظريًا، يتمتع باختراق يفوق اختراق GBU-57A، مع ميزة عدم الحاجة إلى قاذفة B-2.
تحليل مقارن: GBU-57/A مقابل Agni-5 البديل
آلية الإطلاق
تُستخدم قنبلة GBU-57/A في قاذفة الشبح B-2، التي تستخدم تقنية التخفي لاختراق المجال الجوي المحمي. مع ذلك، لا تستطيع B-2 حمل سوى قنبلتين خارقتين للذخائر الضخمة (MOPs)، مما يجعلها عرضة لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة.
في المقابل، تحمل منصة الصواريخ "أغني-5" حمولتها بسرعات تفوق سرعة الصوت، مما يسمح لها بالتهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستي (BMD).
الحمولة والاختراق
قنبلة GBU-57/A، التي تزن 30,000 رطل وحمولتها المتفجرة 5,300 رطل، قادرة على اختراق ما يصل إلى 200 قدم من الخرسانة أو 130 قدمًا من الصخور. مع ذلك، غالبًا ما تتطلب الأهداف الأعمق ضربات متعددة، كما هو موضح في عملية "مطرقة منتصف الليل".
صُمم طراز "أغني-5"، الذي يحمل رأسًا حربيًا يزن 7500 كجم، ليخترق عمقًا يتراوح بين 80 و100 متر، متجاوزًا بذلك قدرة "جي بي يو-57" في العمق. وقد تزيد حمولته الأكبر من قوته التدميرية، على الرغم من أن أدائه لم يُثبت بعد في القتال.
المرونة الاستراتيجية
وقد أثبتت القنبلة GBU-57/A فعاليتها في القتال، لكن استخدامها محدود بسبب الإمدادات المحدودة، والتكلفة العالية، والاعتماد على قاذفات B-2 الأميركية، مما يقيد استخدامها في العمليات الأميركية أو المهام المتحالفة مع الولايات المتحدة، ولكن فقط حيث يكون هناك يقين جيد من أن المجال الجوي تحت السيطرة.
في المقابل، يُقدم طراز "أغني-5" حلاً اقتصاديًا ومستقلًا. فخياراته المزدوجة للرأس الحربي وإطلاق الصواريخ تُعزز تنوعه وقدرته على الصمود في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي الإقليمية، مما يوفر مرونة استراتيجية أكبر، إذ يُمكنه ضرب الأهداف حتى في المناطق التي يسيطر عليها العدو جوًا.
المنظور التحليلي
ردع مُعزز: صُمم صاروخ أجني-5 الهندي، المُزود بقدرات اختراق التحصينات، لمواجهة التهديدات الإقليمية. ويُمثل خيارًا تقليديًا قويًا لتحييد أهداف العدو استباقيًا. وبفضل قدرته على استهداف المواقع الجوفية شديدة التحصين، يُساعد أجني-5 الهند على مواجهة الاختلالات الاستراتيجية بفعالية. وهو السلاح الأنسب لمواجهة أي مواجهة إقليمية.
التصعيد المُتحكّم فيه: تُوفّر هذه الأسلحة التقليدية بعيدة المدى ميزةً رئيسيةً، فهي تُقلّل من مخاطر التصعيد. فبينما تُوفّر قوةً تدميريةً تُضاهي الضربات النووية، فإنها تتجنّب العواقب السياسية والأخلاقية والاستراتيجية للأسلحة النووية. وهذا يُشكّل مستوىً وسيطًا جديدًا على سُلّم التصعيد، مُتيحًا لصانعي السياسات خيارات استجابة مرنة خلال النزاعات.
التأثير الاستراتيجي في الحروب الحديثة: تُمثل الأسلحة التقليدية بعيدة المدى نقلة نوعية في حروب القرن الحادي والعشرين. فهي تجمع بين التأثير الاستراتيجي والدقة التكتيكية، مما يُمكّن من الردع والرد والضربات الهجومية دون المخاطر المرتبطة بالصراع النووي.
خاتمة
تمثل القنبلة GBU-57/A MOP والنسخة الهندية التقليدية Agni-5 قمة تكنولوجيا اختراق المخابئ، وهي مصممة لتحييد التهديد المتزايد من الهياكل المحصنة تحت الأرض.
لقد أظهر الاستخدام القتالي للقنابل الخارقة للدروع ضد المنشآت الإيرانية في فوردو ونطنز في 22 يونيو/حزيران 2025 قوتها ولكن أيضا حدودها، حيث أن التصميم المتقدم للمخابئ والحجم المحدود للمخزونات حد من تأثيرها.
لم تستخدم الهند صاروخ "أغني-5" ضد باكستان خلال الصراع الأخير القصير، وذلك أيضًا لأنه، كونه صاروخًا نوويًا مزدوج الاستخدام، كان من الممكن أن يؤدي إلى سوء فهم من جانب باكستان، وبالتالي إلى تصعيد نووي. هذه هي المشكلة الكبرى في "أغني-5".
المقالة : هل تمتلك الهند قنبلة خارقة للتحصينات أفضل بكثير من القنبلة الأمريكية GBU-57/A؟ من موقع Scenari Economici .